أمريكا وتوسيع نطاق الحرب- مخاطر التصعيد الإقليمي بعد غزة

المؤلف: محمود علوش08.09.2025
أمريكا وتوسيع نطاق الحرب- مخاطر التصعيد الإقليمي بعد غزة

في أعقاب الهجمات الأميركية والبريطانية على جماعة الحوثي في اليمن، تبرز استنتاجات جوهرية، حيث يتضح أن نطاق الحرب الإسرائيلية في غزة يتسع نطاقه في أنحاء الشرق الأوسط بصورة متزايدة، مما يخلق وضعًا إقليميًا معقدًا يصعب علاجه بمجرد انتهاء الصراع، والولايات المتحدة، التي عززت وجودها العسكري في المنطقة منذ السابع من أكتوبر بهدف منع اتساع رقعة الحرب، تعمل الآن على توسيعها وتعميق انخراطها فيها بشكل ملحوظ.

إن الاعتقاد بأن استخدام القوة سيردع الحوثيين عن الاستمرار في هجماتهم في البحر الأحمر، أو سيُضعف قدرة حلفاء إيران الآخرين على تهديد المصالح الأميركية في المنطقة، هو اعتقاد ساذج تمامًا، ويوازي في سطحيته التصور الإسرائيلي بأن الحرب على غزة ستقضي على حركة حماس بشكل كامل.

لقد وجدت الولايات المتحدة نفسها مجددًا في مواجهة مع الحوثيين، وذلك بعد سنوات من محاولات إدارة الرئيس جو بايدن استمالة الجماعة، وذلك برفع اسمها من قائمة الإرهاب الأميركية، بهدف تشجيعها على الدخول في عملية سلام لإنهاء الحرب اليمنية طويلة الأمد.

من المثير للدهشة أن الولايات المتحدة، التي تضغط بشدة على إسرائيل لوضع رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، تفتقر بدورها إلى تصور واضح لكيفية التعامل مع المرحلة التالية، التي قد تشهد انزلاق الاضطراب الإقليمي الحالي إلى صراع أشد خطورة وأكثر اتساعًا.

يمكن الآن الافتراض بأن الحوثيين سيكفون عن حذرهم السابق في تصميم هجماتهم في البحر الأحمر، والذي كان يهدف فقط إلى الضغط لإنهاء الحرب على غزة، ممّا يعني استمرار حالة عدم الاستقرار في أحد أكثر الممرات البحرية أهمية للاقتصادين الإقليمي والعالمي على حد سواء.

تمثل جبهة البحر الأحمر الآن انعكاسًا مصغرًا للشرق الأوسط الجديد، الذي دخل مرحلة من عدم اليقين العميق، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة. وفي الوقت الذي تصعد فيه الجماعات المدعومة من إيران هجماتها على القوات الأميركية في سوريا والعراق بشكل ملحوظ، وتتلقى ردودًا أميركية متزايدة، فإن الوضع على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية لا يقل خطورة، حيث يلوح في الأفق شبح حرب جديدة مدمرة بين إسرائيل وحزب الله.

لقد أصبح مسار التوتر، مع مرور الوقت، مستقلًا بذاته عن مسار الحرب على غزة، سواء من حيث الفعل ورد الفعل، أو من حيث الأسباب العميقة التي أدت إلى ظهوره. إن العامل الوحيد الذي منع حتى الآن تطور التصعيد على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية إلى حرب شاملة، هو أن الطرفين لا يرغبان في ذلك لأسباب مختلفة.

ومع ذلك، فإن هذا العامل يفقد تأثيره تدريجيًا في ديناميكية المواجهة الحالية بين إسرائيل وحزب الله، مع تفوق العوامل الأخرى التي تجعل الحرب خيارًا لا مفرّ منه. وحتى لو بدت مسألة اليوم التالي لنهاية الحرب في غزة الأكثر تعقيدًا، فإن أحدًا لا يمتلك تصورا واضحا للكيفية التي يمكن أن يكون عليها الشرق الأوسط في اللحظة التي تندلع فيها حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله، وكيف ستكون ردة الفعل الأميركية تجاه هذا السيناريو المحتمل.

حتى لو كانت إدارة الرئيس جو بايدن لا تمتلك خيارات أقل تكلفة للتعامل مع التداعيات الإقليمية لحرب غزة سوى استخدام القوة العسكرية كأداة ردع، فإن الردع وحده لن يكون كافيًا للحد من المخاطر الإقليمية المتزايدة.

ومن المفارقات اللافتة للنظر أن الولايات المتحدة، التي تمارس ضغوطًا هائلة على إسرائيل لوضع تصور واضح لليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة، لا تملك هي نفسها تصورًا واضحًا لكيفية التعامل مع المستقبل القريب، الذي قد ينزلق فيه الاضطراب الإقليمي الراهن إلى صراع أكثر خطورة وأوسع نطاقًا، باستثناء أنها تأمل في تجنب هذا السيناريو الكارثي بكل الوسائل الممكنة.

يكمن الضعف الجوهري في الإستراتيجية الأميركية في التعامل مع هذا الاضطراب الإقليمي، في اعتقاد واشنطن الراسخ بأن عامل الردع يمكن أن يثني إيران وحلفاءها عن تعميق انخراطهم في الصراع، وأن الدفع باتجاه تقليص الحرب الإسرائيلية على غزة، وحث دول المنطقة على الانخراط في الرؤية الأميركية لإدارة غزة بعد الحرب، سيؤديان تلقائيًا إلى الحد من المخاطر الإقليمية الناجمة عن الحرب.

قد يبدو جزء من هذا الاعتقاد صحيحًا، خاصة وأن إيران وحلفاءها لا يزالون يظهرون قدرًا كبيرًا من الانضباط في نشاطهم العسكري. ومع ذلك، فإن الحوافز التي تدفعهم إلى مواصلة هذا الانضباط تتضاءل تدريجيًا. وترى إيران في التداعيات الإقليمية لحرب غزة فرصة سانحة لاستعراض قوتها الإقليمية المتنامية، وزيادة الضغط العسكري، عبر وكلائها، على الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق، وتعزيز نفوذ الحوثيين في المعادلة الأمنية في البحر الأحمر الحساس.

وبينما تتعامل الولايات المتحدة مع حرب غزة على أنها فرصة لتجديد حضورها العسكري القوي في الشرق الأوسط، فإن طهران تنظر إليها أيضًا على أنها فرصة لرفع التكاليف العسكرية على الوجود الأميركي في المنطقة. وحتى مع الأخذ في الاعتبار الدور المحوري الذي تلعبه الحرب على غزة في تأجيج الاضطراب الإقليمي الراهن، فإنه يتغذى الآن من هذه الحرب بقدر أكبر من كونه مجرد نتيجة مباشرة لها.

لقد أدى انهيار فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني في عهد بايدن، وعودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، والشكوك المتزايدة بشأن مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط المتقلب، بالإضافة إلى المنافسة الجيوسياسية المحتدمة بين القوى العظمى وانعكاساتها الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط، وأخيرًا الحرب المدمرة على غزة، إلى خلق آفاق جديدة أمام إيران لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية وفقًا لمصالحها وأهدافها الاستراتيجية.

لقد أحدثت حرب السابع من أكتوبر تحولات جذرية في الشرق الأوسط، سواء من حيث إعادة إحياء القضية الفلسطينية ودورها المحوري في تشكيل ديناميكيات السياسات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، أو من حيث إعادة إشعال حرب الوكالة المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن تحريك خطوط الصدع في الصراع المعقد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.

وبغض النظر عن نتائج حرب غزة وسيناريوهات الاضطراب الإقليمي الراهن، فإن التنبؤ بشرق أوسط جديد ينعم بالاستقرار والازدهار أصبح مجرد وهم بعيد المنال. والحقيقة المؤلمة، التي سيتعين على بايدن ومساعديه المقربين أخذها في الاعتبار مليًا عند اتخاذ قرار بشن ضربات عسكرية في المنطقة، هي أن القوة العسكرية وحدها لن تكون قادرة على إزالة الفوضى العارمة التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على غزة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة